التواجد الاستعماري في المنطقة.
لقد كان احتلال منطقة تند وف هو نقطة البداية لاستكمال المشروع الاستعماري الكبير, والهادف الى ربط حلقة وصل بين مناطق الجنوب الكبير والسيطرة على طرق التجارية وكذلك إعادة بعث الحركة فيها، وأيضاً تسهيل عملية المراقبة لفرقه حتى يقضي على أي مقاومة . خاصة وان الصحراء كانت تتفجر ثورة
ففي مارس1934 انتقلت فرقة من السودان الغربي مالي والنيجر( باتجاه الشمال وأرسلت فرق أخرى من الساورة وتبلبالة وتوات. تحركوا في ماي 1934 نحو مدينة تيندوف، ويصف احد المرافقين سير الحملة بالقول : " في مايو انتقل رتل كبير من السيارات من أكا " جنوب المغرب " تحت إمرة الجنرال جيرو والعقيد ترينقو, حيث عبرت وادي درع و الفريات في ستة أيام من ممر مركالة السفلي , ثم دخلوا منطقة تند وف دون قتال"
وتشير المصادر الى أن فرقا من الساورة وتوات بقيادة ورسوا توجهت الى تندوف ، والتقت بفرق جيرار وترينقو التي خيمت على مشارف المدينة ً . ثم تقرر دخول المدينة التي اخلاها سكانها وفروا الى الصحراء، ولم يجد الاحتلال بالمنطقة سوى السيد عبد الرحمان ولد العبد من قبيلة تجاكانت، أما القبائل الأخرى فرت مخافة أخد أسلحتها التي تصطاد بها وتدافع بها عن نفسها
وبعد دخولهم إلى المنطقة قاموا بجمع السكان البدو والرحل، واعادة توطينهم في المدينة ، وتابعت القبائل في الصحراء وعقدت اتفاقيات امان مع القبائل الكبرى، وأقام الاستعمار في المنطقة برج مراقبة وثكنة عسكرية سميت برج وارسوا، وقام العقيد ترينقو بالاتصال بأعيان المنطقة ومنهم شيخ الفقراء محمد ولد البار وشيخ لكواسم لحبيب ولد البلالي للتفاوض معه وحمله على حث البدو على الرجوع إلى تندوف وبداية إعمار هذه المنطقة من جديد وتقديم ضمانات بعدم المقاومة وتشكيل فرقة المهارية من أبناء المنطقة.
وفي 21 ديسمبر 1934 اجتمع العقيد مع مندوب الحاكم العام في موريتانيا في بئر أم قرين، وهذا لبحث عدة نقاط منها مراقبة الحدود مع الجزائر ومحاولة ربط الموصلات بين البلدين عبر طريق بري، مازال يستعمل إلي اليوم.
وقد تواصلت الاتصالات بيت الفرق الاستعمارية في افريقيا بقصد المراقبة وضبط الحدود إلى غاية الاستقلال, وقد أقيمت إدارة خاصة بالسكان في تندوف لتسهيل عملية الاتصال والمراقيبة, وأنشأت فرقة مهاريسة من أبناء المنطقة من اجل المساعدة في اخضاع المتمردين وكسب قبائل تندوف، ومراقبة الصحراء، وهي السياسة التي أتبعت في أغلب المناطق المحتلة من قبل الفرنسيين
المطلب الثالث : السياسة الفرنسية في المنطقة.
لقد كان الرفض الوجود الاستعماري منذ البداية هو سيد الموقف، وذلك على الرغم من الإغراءات والدعايات المروجة من قبل الاستعمار واعوانه، خاصة التأكيد على فرنسا جائت لاكتشاف المنطقة ووضع قاعدة عسكرية لمراقبة وحماية الحدود فقط.
لكن السياسة الفرنسية بدأت تتضح ملامحها الاستطانية مع أول قرار أصدره العقيد ترينقو، والذي يقضي بمصادرة أسلحة القبائل وإجبار أبناء الأهالي على الانخراط في صفوف المهاريسة مما زاد من غضب السكان وإصرارهم على حمل السلاح ضده، وقد كانت هذه الفترة تشهد توترا على الصعيد العالمي، خاصة مع اعلان الحرب العالمية الثانية، وقد انتشرت حملات التوعية والاستنفار ضد الاستعمار في مناطق الصحراء، كما كانت هناك حملة إعلامية تمارسها المخابرات الألمانية واعوانها في الصحراء انطلاقا من ليبيا
كذلك حاول الاستعمار جاهدا لتغطية التعسفات التى كان يمارسها على سكان المنطقة إعادة إحياء ما يسمى بالمقار الذي كان يطلق عليه "الملقى " من طرف السكان المحليين، وهو سوق كان يجتمع فيه التجار من السودان الغربي والمغرب الأقصى وموريتانيا، وهذا لإنعاش المنطقة من الناحية الاقتصادية وحماية القوافل من اعتداءات المتمردين والتحكم في السكان
كما انشأت الادارة الفرنسية المكاتب العربية التي يديرها العسكريون وبمشاركة بعض الاعيان، وكانت تدعمها القيادة العسكرية وفرقة المهارية في اداروة شؤون منطقة تندوف العسكرية، وعلى الرغم من الغاء النظام العسكري عام 1947 الا ان المنطقة لم تعرف تخفيفا من الرقابة العسكرية التي ظلت تحكم المنطقة بقبضة من حديد،
المبحـث الثاني : مشاركة مناضلي المنطقة في الكفاح السياسي.
المطلب الأول : عوامل قيام نشاط الحركة السياسية .
إن البعد الجغرافي الكبير وسياسة العزلة لم تمنع التند وفيين من القيام بواجبهم الوطني على غرار باق مناطق الوطن, فرغم موقعها الواقع في أقاصي الجنوب, والبعد الجغرافي الذي يفصل مناطق الجنوب والشمال, فقد تحدى الشباب التندوفي كل هذه الصعاب الجغرافية واستطاع أن يثبت وجوده داخل كنف الحركة الوطنية في منتصف الأربعينيات، وهو امر يـثير الدهشة والاستغراب لدى الكثيرين بحكم بعد المنطقة, لكنها الحقيقة الثابتة والمتجذرة في التاريخ، وهذا كله مع عدم وجود طرق معبدة ولا وسائل نقل بينها وبين المناطق الأخرى .
لقد كان انتساب الشباب التندوفي إلى الحركة الوطنية ممثلة في حركة الانتصار للحريات الديمقراطية تكذيب قاطع لمزاعم بعض الجهات المشككة في جزائرية تندوف، فلقد شاركت هذه المنطقة في الحركة الوطنية والثورة التحريرية كما سنعرف، وخاضت معارك خلدها التاريخ .
لقد عرفت الحركة الوطنية الجزائرية أوج نشاطها عشية الحرب العالمية الثانية، حيث وصلت إلى مناطق الصحراء الخاضعة للنظام العسكري، وذلك بمساهمة من ابناء المنطقة بعد اتصالهم بمناطق الشمال أو من خلال وفود الاحزاب الوطنية، والسؤال الذي يطرح في هذا الباب هو : كيف استطاعت الحركة الوطنية ان تثبت اقدامها في هذه المنطقة وما تأثير ذلك على انتشار الوعي الوطني ؟
في بداية الاربعينات كان العالم بأسره يعيش الحرب الكونية الثانية، والتي شاركت فيها الدول الكبرى بإرادتها واقحمت فيها المستعمرات رغما عنها, وقد ازدادت اهمية الصحراء في هذه الحرب، وتسنى لتندوف ان تتأثر ايما تأثر بنزول الحلفاء، فقد أقام الأمريكون بها قاعدة جوية، أصبحت بمثابة جسر لنقل العتاد والجنود ، وكانت حسب شهود عيان تحمل يوميا ما يقارب 40 آلة عسكرية ، وكان طبيعيا ان يحدث الاحتكاك مع السكان، حيث أقام بعض الشباب التندوفيين علاقات مع هؤلاء الأجانب وتعرفوا عليهم عن كثب . إذ يروي المناضل الشيخ حمادي ابن عاشور أنه تعرف إلى أمريكية وأهدته دولار مازال محتفظ به إلى اليوم، ولدينا صورة عنه في الملاحق, وانه كان لها الفضل في إثارة عواطفه الوطنية ، حيث عرفته كيف نال الأمريكيون استقلالهم بعد كفاح مرير وان الحرية شيء مقدس لدى الإنسان عليه ان يسعى جاهدا للحصول عليها .
كما كان للدعاية المغرضة ضد فرنسا التي نشرها الألمان تأثير واضح على وعي المستعمرات ومنها منطقة تندوف، خاصة من خلال نشر أخبار كاذبة عن انهزام فرنسا, والدعوة إلى التحرر من الاستعمار، وساهم بعض المنفيين في التعريف بكفاح الحركة الوطنية كما حصل احتكاك بين بعض التندوفيين ومناضلي الحركة الوطنية في منطقة بشار التي نشط بها حزب حركة الانتصار،
وهذا كله ساهم في تنوير الشباب التندوفي وفي اقدامه على احتضان النظال الوطني، وذلك باظهار تضامنه مع القضايا الوطنية وانخراطه في الاحزاب الوطنية، ويمكن القول أن الشعور بروح الانتماء وحب خدمة الوطن كانت المحرك الأساسي لهؤلاء الشباب الأشاوس الذين تحدو كل الصعاب ليثبتوا أنه لا مستحيل مع الإرادة ولا يأس مع الحياة، و كل هده الدوافع جعلت من تند وف قلعة من قلاع الكفاح الوطني
وقد كانت السلطات الاستعمارية تمارس تعسفاتها على أبناء المنطقة، وتحاول التفرقة بين قبائلهم، وتحتكر المناصب الادارية للمواليين لها مع إهمال بقية السكان، وهذه السياسة اثارت حفيظة السكان اضافة الى العاملين مع الادارة الفرنسية في اطار فرقة المهاريسة، والذين قدمت بهم من منطقة تبلبالة سنة 1934 وكان منهم أبو المجاهد ابن عاشور الذي يعد أبو الحركة الوطنية في المنطقة رغم أصوله الغير تندوفية وهدا ما يفند أن الروح الوطنية لا تنسب إلى أي جهة معينة إنما هي عملة واحدة لا تقبل التجزئة .
كما تواجد بعض المناضلين المنفيين الذين ساهموا بخبرتهم في توعية الشباب التندوفي وإرساء قاعدة توجيهية لهم، أسهمت في ارساء التنظيمات الاولى للحركة الوطنية قبل ان تنضج وتخرج إلى النور سنة 1947.